خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 15من شعبان 1446هـ الموافق 14 /2 / 2025م
النِّفَاقُ ضَرَرُهُ وَعِلَاجُهُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران 102].
أَمَّا بَعْدُ:
فَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَالْخَيْرَاتِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ تَكُونُ فِيهِ شُعَبٌ مِنَ النِّفَاقِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَقَدْ تَطْغَى تِلْكَ الشُّعَبُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ.
فَالنِّفَاقُ نَوْعَانِ: نِفَاقٌ اعْتِقَادِيٌّ يُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَكُونُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِي ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيرًا[ [النساء:145]، وَهُوَ النِّفَاقُ الَّذِي يُبْطِنُ فِيهِ صَاحِبُهُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ]وَإِذَا جَآءُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِٱلۡكُفۡرِ وَهُمۡ قَدۡ خَرَجُواْ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكۡتُمُونَ[ [المائدة:61]، وَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: ]وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ[ [البقرة:8].
وَمِنَ النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الْمُخْرِجِ: الْإِلْحَادُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ بِهِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِدِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ]وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ * لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَة مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ[ [التوبة:65-66].
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ لَا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ وَأَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، يُضِرُّ بِالْإِسْلَامِ، وَيُورِدُ صَاحِبَهُ الْمَهَالِكَ الْعِظَامَ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مِنْ صِفَاتِ النِّفَاقِ وَأَهْلِهِ.
فَمِنْ صِفَاتِهِمُ الْبَغِيضَةِ: التَّكَاسُلُ عَنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلا[ [النساء:142]، وَمِنْ صِفَاتِهِمُ: الْمُسَارَعَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْخَيْرِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ]ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ[ [التوبة:67]، وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَحَذَّرَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُنَّتِهِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ النِّفَاقَ الْأَصْغَرَ كُلَّهُ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ السَّرِيرَةِ وَالْعَلَانِيَةِ)، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كَانَ يُقَالُ: إِنَّ مِنَ النِّفَاقِ اخْتِلَافَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَاخْتِلَافَ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ).
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
وَلَمَّا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عِنْدَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ خَشُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ، وَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْهُ، وَسَاءَتْ ظُنُونُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَازْدَادَ حَذَرُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي شُعَبِهِ، وَالدُّخُولِ فِي دَقَائِقِهِ؛ لِعِلْمِهِمْ بِخَفَائِهِ وَعَظِيمِ خَطَرِهِ، وَتَفَاصِيلِهِ وَجُمَلِهِ، فَكَانَ عُمَرُ يَسْأَلُ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: (نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَنَا مِنْهُمْ؟!» فَقَالَ حُذَيْفَةُ: (لَا، وَلَا أُبَرِّئُ أَحَدًا بَعْدَكَ)، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: (أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَخافُ النِّفَاقَ عَلَى نفْسِهِ)، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: »أَنْ لَا يَكُونَ فِيَّ نِفَاقٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، كَانَ عُمَرُ يَخْشَاهُ وَآمَنُهُ أَنَا؟!)، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: (مَا مَضَى مُؤْمِنٌ قَطُّ وَلَا بَقِيَ، إِلَّا هُوَ مِنَ النِّفَاقِ مُشْفِقٌ، وَلَا مَضَى مُنَافِقٌ قَطُّ وَلَا بَقِيَ، إِلَّا هُوَ مِنَ النِّفَاقِ آمِنٌ).
هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ يَخَافُونَ النِّفَاقَ وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ بَرَاءَةً مِنْهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِخَوْفِهِمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَشِدَّةِ تَحَرُّزِهِمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي بَعْضِ شُعَبِ النِّفَاقِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ خَفَّ احْتِرَازُ بَعْضِ النَّاسِ مِنَ النِّفَاقِ وَاسْتَهَانُوا بِأَسْبَابِهِ الْمُوقِعَةِ فِيهِ، وَاسْتَبْعَدُوا الْوُقُوعَ فِي الْأَكْبَرِ مِنْهُ وَالْأَصْغَرِ، حَتَّى ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ، وَخَفَّ الصِّدْقُ وَأُخْلِفَ الْوَعْدُ، وَأَلْقَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاسْتَهْزَأُوا بِهَا وَقَدَّمُوا عَلَيْهَا آرَاءَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ، وَنُقِرَتِ الصَّلَاةُ نَقْرًا، وَقَلَّ ذِكْرُ اللَّهِ فِي الْقُلُوبِ وَعَلَى الْأَلْسُنِ، وَاخْتَلَفَتْ سَرَائِرُ النَّاسِ وَعَلَانِيَتُهُمْ.
قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ الْيَوْمَ لَتَأْتُونَ أُمُورًا، إِنَّهَا لَفِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّفَاقُ عَلَى وَجْهِهِ)، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: (كَانَ النِّفَاقُ غَرِيبًا فِي الْإِيمَانِ، وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ غَرِيبًا فِي النِّفَاقِ).
عِبَادَ اللهِ:
اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرُوهُ، وَقِفُوا عِنْدَ آيَاتِهِ وَمَوَاعِظِهِ، وَانْظُرُوا فِي صِفَاتِ مَنْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَقَدْ كَانَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ: (كُلُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهَا ذِكْرُ النِّفَاقِ، فَإِنِّي أَخَافُهَا عَلَى نَفْسِي).
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: 70- 71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَالنِّفَاقُ مِنْ أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ وَأَرْدَأِ الصِّفَاتِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ: عَنْ دَنَاءَةٍ فِي النَّفْسِ، وَضَعْفٍ فِي الْإِيمَانِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ مِنْهُ فِي دُعَائِهِ وَيَقُولُ: »اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ« [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ]، فَاسْتَعِيذُوا -عِبَادَ اللَّهِ- مِنَ النِّفَاقِ، وَجَاهِدُوهُ وَاحْذَرُوا مِنْ ضَرَرِهِ؛ فَإِنَّهُ سَرِيعُ النُّفُوذِ فِي النُّفُوسِ، وَيُدَاخِلُ الْمُسْلِمَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: (مَنْ لَمْ يَخَفِ النِّفَاقَ فَهُوَ مُنَافِقٌ).
وَاسْتَعِينُوا عَلَى مُدَافَعَةِ النِّفَاقِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ)، وَيَقُولُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِنَّ كَثْرَةَ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَانٌ مِنَ النِّفَاقِ؛ فَإِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ قَلِيلُو الذِّكْرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي تَزْرَعُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، وَتَزِيدُهُ وَتُنَمِّيهِ، وَمِنْ أَعْظَمِهَا: الْغِنَاءُ؛ فَإِنَّ التَّقِيَّ الْعَابِدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ).
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِينُ عَلَى مُدَافَعَةِ النِّفَاقِ: الْعَمَلَ عَلَى إِصْلَاحِ السَّرِيرَةِ وَالْبَاطِنِ، فَمَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ صَالِحَةً كَانَ عَمَلُهُ صَالِحًا، وَمَنْ صَلَحَ بَاطِنُهُ صَلَحَ ظَاهِرُهُ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ« [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، فَيَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعَلَانِيَةِ، عَدُوًّا لَهُ فِي السِّرِّ! وَاجْتَهِدْ فِي صَلَاحِ بَاطِنِكَ وَظَاهِرِكَ، وَاعْمُرْ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ وَالْخُضُوعِ، وَجَسَدَكَ بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْحُنَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ، أُولِي الْفَضْلِ الْجَلِيِّ، وَالْقَدْرِ الْعَلِيِّ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَالْآلِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْقَرَابَةِ. اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أعْمَالَهُما فِي رِضَاكَ، وأَلْبِسْهُما ثَوبَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيةِ والإِيمانِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة